لازلت اتذكر هذان اليومان جيدا حيث كنت مسافر من محافظة الى محافظة اخرى هذا المشوار الذي كان يأخذ فقط ساعة ونصف او ساعتين قبل الحرب لكن هذه المرة تحولت الساعتين الى يومان ,تعرضت فيها حياتي للخطر وعشت فيها في قلق وترقب بسبب ميلشيات تدعي انها تحمي الشعب وهي عكس ذلك تماما.
لا زلت اتذكر حين تم إنزالنا في منتصف الليل من حافله السفريات في منتصف الطريق السريع الذي يحيطه أرض خالية يحيطها الظلام ومجموعة من المسلحين
ممن يدعون انهم حماة الوطن.
تم إنزالنا وتركنا في الطريق السريع نحن وامتعتنا وكل مقتنياتنا وتم اجبارنا على صعود حافلة نقل صغيرة 6 راكب لتعيدنا لأقرب مدينة تحت التهديد باننا لو لم نركب مع تلك الحافله التي يسوقها ذلك الشخص وندفع له المبلغ الفلاني بأنهم سيحبسوننا وسيبرحوننا ضربا وقد حصل ذلك بأنهم ضربوا شخصا بجانبي.
كنت واقفا ومحتارا فمن كان يحمينا بالأمس يقطع طريقنا اليوم ويهددنا ويا للعجب.
لازلت اتذكر تلك الليلة جيدا كيف مرت في خوف وترقب حيث تنقلنا الحافلة الى وجهة لا نعلمها كل هذا وامتعتك ومقتنياتك لديك وأيضا شجار بين احد الراكبين معنا بأنه ليس لديه أموال ليدفع والسائق يريد ان يرجعنا كلنا الى الميليشيات بسببه.
وبعد ساعتين من الزمان والشجار والقلق لعدم معرفتك ما الذي ينتظرك.. وصلنا للمدينة القريبة قريب الفجر.
وجدناها مدينة عبارة عن قرية صغيرة لا يوجد بها سوى فندق واحد وشارع واحد معبد كنا نسير فيه ولا وجود الا لنا ولأكياس القمامة و سيارة واحدة تسير خلفنا كأنها ظلنا, يبدوا أن الأمر كان مألوفا لسائق هذه السيارة فقد كان يدعونا بأنه سيدخلنا تلك المدينة بكل سهولة وبأقل الأثمان ( الباهظة طبعا ) لقد حاول معنا بكل الطرق حتى انه اخرج لنا وثائق هوية لناس آخرين لنعبر بها تلك “النقطة الأمنية” كما أسماها.
يال العجب وياله من يوم أتمنى ان يكتمل على خير ذهبنا الى الفندق الوحيد في هذه المدينة واذا به عبارة عن بيت من ثلاثة طوابق تفوح منه رائحة الديزل و (وقود لمكافحة الحشرات) وحين سلمنا موظف الاستقبال وثائق الهوية الخاصة بنا قام بتحذيرنا انه من الممكن ان تأتي السلطات وتأخذنا لأننا من تلك المدينة الأخرى .. لقد شعرت كأننا مجرمين فقط لكوننا من تلك المدينة.
لم يأتي النوم وكيف يأتي وانت في غرفة مليئة بالناموس وتفوح برائحة الديزل في درجة حرارة عالية وعدم وجود كهرباء أيضا!
اخذ كل واحد منا يحاول ان يقوم باتصالاته واخذنا نخطط سويا كأننا فريق واحد لتخطي هذه الحدود وكأننا نسافر من دولة الى دولة أخرى , حاولنا التواصل مع جهات حقوقية وأيضا أمنية ولكن لا جدوى فإن تلك ال”نقطة الأمنية” كما اسموها ليس لها كبير.
حل الصباح علينا وابتدأت المحاولات للعبور الى المحافظة الأخرى التي نريد الوصول إليها من خلال وسائل للنقل الخاصة بتلك المدينة لقد كانت محاولتين ولكنهما بائتا بالفشل حيث كان يتم إرجاعنا في أول او ثاني نقطة نصل اليها فور ان يتم تمييزنا بالشكل او ببطاقة الهوية!.
هنا كنت شعرت باليأس وكنت انوي الرجوع ادراجي وان األغي كل مخططاتي ولكن بدا لي خيط أمل من خلال احد الأصدقاء الذي تعرفت عليه في هذه الرحلة حيث انه كان له اسرة في المحافظة الأخرى التي نريد الوصول اليها وقد قام باستدعائهم الى هذه المدينة ليقوموا بأخذه كونهم يملكون سيارة ذو رخصه ورقم من المحافظة التي نسعى جاهدين للوصول اليها , لقد خرجت الأسرة كلها زوجا وزوجه وأطفال وسائق حتى يحضروا قريبهم هذا من هذه المدينة ويدخلوه كون هذه الميليشيات لا تدقق التفتيش حينما يكون هناك نساء وأطفال .
عرض علي هذا الصديق ان اذهب معهم عندما رآني هائما بالعودة الى محافظتي وحينها مشينا لمدة سبع ساعات في طرق دمرتها الحرب وملئتها بنقاط التفتيش التي زادت ثلاثين نقطة احدها هي التي مررنا وتم انزالنا فيها بالأمس ورغم انني كنت مع هذه الاسرة الكريمة فقد كانت احدى النقاط تريد ان تقوم بانزالي كون شكلي غريب عن البقية حيث كلهم سمر وانا بشرتي فاتحة اللون بعض الشيء ولكن تم الأمر بنجاح حيث كنا جميعا من في السيارة متفقين انني صديق العائلة .
لازلت أتذكر حينما وصلت الى محافظة عدن لقد كنت اشعر كأني نجوت بأعجوبة كانت رحلة لا انساها ما حييت .
لقد سردت هذه القصة لكي انقل تجربتي وأيضا انقل وجع المواطن في الحرب والفرق بين ان تكون في امن وامان وان تكون في عكس ذلك.
اترك تعليقاً